الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد في رسالة مفتوحة الى يوسف الشاهد: شبحا قرطاج ومونبليزير في سـماء الـقـصبة

نشر في  03 ماي 2017  (11:47)

كتبت مرارا لرئيس الجمهورية ولكن ـ للأسف ـ يبدو أنّه لا يصغي الاّ لنفسه معتبرا أنّه حكيم علم السياسة، ولو استمع لبعض نصائحي ونصائح كبار المحلّلين والمستقلّين لربما كانت حالة البلاد أفضل.. واليوم أخاطبك أنت بصفتك رئيسا للحكومة ناصحا ايّاك بالاستماع لتحاليل وتقييم كبار الاعلاميين التونسيين المعروفين بعدم ولائهم لقوى المافيا أو الفساد.
بالنسبة للولايات التي كانت مقصاة، أؤكد لك ان عهد اعداد البرامج من العاصمة قد انتهى وعليك ان تبعث لجان تنمية في كل الولايات تشارك فيها نخب الولايات من كل الأحزاب اضافة الى كفاءات من المجتمع المدني وأبرز الإطارات حتى يقدّموا تصورا شاملا لنمو جهاتهم وأريافهم ويحدّدوا حاجياتهم على مستوى الاقتصاد والصحّة والمناطق الحرة والثقافة والتعليم والترفيه والرياضة والبنية التحتية، مع تقديم تقديرات مالية أولية ومقترحات حول التمويل، وأنصحك بالاستئناس بأفكار الأستاذ قيس سعيّد الذي اقترح عدم المركزية في اتخاذ القرارات، فكفانا منظومة سياسيّة تقرّر النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي انطلاقا من العاصمة لأنّ كل قراراتكم فوقية،  فحتى إن كانت ايجابية فسترفضها نخب الولايات وشبابها. وكفانا مركزية وتعيين ولاة أغلبهم منتمون لأحزاب والحال انّ في هذه الولايات نساء ورجالا من طراز رفيع.. ثمّ على الحكومة تخصيص نسبة من عائدات الثروات الطبيعية لتنمية هذه الجهات التي وقع اقصاؤها أو تهميشها!
انّ الغضب في هذه المناطق يترجم أو يعكس عطش عقود طويلة للتنمية الشاملة وان كان من بين المتظاهرين ظلاميون ومتشدّدون أو ارهابيون.. انّ الدولة العادلة والقوية هي الكفيلة ـ وحدها ـ بضمان الاستقرار والشعور بالأمل..
ثمّ هناك مشكل عويص يمنعك من اتخاذ قرارات هامّة وهو انّ حكومة الائتلاف متكوّنة من أحزاب متضاربة  في الأهداف والرؤية والتمشّي والعلاقة بالعقيدة! فلا يمكن لأيّ حزب أن يتظاهر في الشوارع ضدّ الحكومة وهو شريك لها، كما لا يمكن لحزب نداء تونس الذي وقع تفجيره من الدّاخل ان يقنع اليوم «شعب الديمقراطية والحداثة».. كن من تكون ـ انشتاين مثلا ـ سيكبّلك هذا التحالف غير الطبيعي .. انّ على حزب النداء ان يقنع حزب النهضة بتصوّراته لأنه الحزب الفائز، كما انّ على النداء أن يقطع مع ثقافة «حكم حافظ» الذي يفتقر لكلّ تجربة سياسية جدّية وان كان «ابن ابيه».. يا سيدي رئيس الحكومة انّك تحكم تونس بفضل مساندة حزبين متضاربي الرّؤى تجمعهما المصلحة والمصلحة فقط!
والثابت أنّ كل محلل نزيه لاحظ ان الدولة التونسية اصبحت في خطر لأنّ بعض السياسيين وبعض المتطرّفين وبعض رجال «الكنترا» يتحكّمون في مدن حدودية وفي قطاعات بارزة من التجارة فإذا بهم يفرضون مصالحهم على أجهزة الدولة.. فما هي الحال في الجنوب  وفي قرقنة وفي عدد من المساجد وحتى في الإدارات والدولة سائرة نحو الانهيار لأنّ بعض مراكز النفوذ باتت أقوى من الدولة? فكيف يمكن لمجموعة من الأشخاص الاستيلاء على المعبر الحدودي للذهيبة، وكيف يسمح لبعض عشّاق الهمجية والبربريّة بتعنيف الأمنيين في ملعب رادس خلال مقابلة الترجي والافريقي، علما انّ كبار تجار «الكنترا» في بعض المدن لهم نفوذ لا يمكن تصوره وقد شاهدنا البعض منهم يتعاطون الديبلوماسية الموازية اضافة للأمن الموازي.. انّه في غياب دولة قوية وعادلة لا يمكن إرساء جمهورية الاستقرار والمساواة والحريات ولا جدال في أن «الركض» نحو كل بؤر التوتّر يضيف ضعفا  الى  ضعف الدولة التي بدأت تفقد هيبتها منذ عهد الترويكا.
ثمّ حذار من اشتعال الأسعار وتعدّد الضرائب والمديونيّة المفرطة.. حذار من الزيادات المتلاحقة في الأسعار التي يبدو انّ بلادنا ستعرفها أكثر بعد انخفاض قيمة الدينار في الأشهر المقبلة.. انّ المواطن يشعر ان الحكومة لا تهتمّ الاّ بالأرقام وتعليمات صندوق النقد الدولي في حين تشكو الطبقات الوسطى  من انزلاقها نحو درجة الفقر، انّ اضطرابات ومظاهرات كبيرة في الأفق بسبب التهاب الأسعار (النفط، القهوة، السكر، الأدوية، السفر، أسعار السيارات، تكلفة انجاز المشاريع، أسعار بذور الغلال والقمح، النقل، الكهرباء...) فحذار ثم حذار، هناك ردة فعل منتظرة قد تنطلق ـ كالعادة ـ من الجنوب ومن الأحياء الشعبية فلا يجب المزيد من إرهاق الطبقات الوسطى والفقيرة و العمال والموظّفين الذين يدفعون الضرائب في حين يعتقد الأخصائيون انّ تهرّب المهن الحرّة من الضرائب يفوق 8000 مليار من مليماتنا كما يتحكم المهرّبون في أكثر من 50 ٪ من الاقتصاد التونسي.. فعوض ان تقترض الحكومة من الخارج وتهدّد وتكبّل مستقبل الأجيال القادمة، عليها أن تفرض العدالة الجبائية مهما كان الثمن كما عليها أن تجبر أعيان «الكنترا» على ضخّ الأموال في البنوك وفي مشاريع تنموية والا انهارت (أي الحكومة) واشتعلت نيران الفتنة وعدم الاستقرار...
انّ على الحكومة ان تكون حازمة لإنهاء الاضطرابات والمظاهرات بعد (أقول بعد) إنصاف كل الولايات الحدوديّة والطلب من كوادرها عرض برامج شاملة غير مسقطة من العاصمة، علما انّ بعض الأشخاص صاروا يدعون للانفصال وهذا أمر في منتهى الخطورة...
كما لا يمكن لأي رئيس حكومة أن يعمل أو ينجح والتحالف «غير الطبيعي» بين حزب الباجي وحزب الغنوشي يتحكم في كل القرارات.. إن تونس في حاجة لقانون انتخابي جديد ينهي مهزلة ما أعدته أحزاب الترويكا ويمنع أي حزب من تسيير البلاد لأنّ «القانون» الذي وضعته النهضة لا يمكن أي حزب من الحوز على 51 ٪ من المقاعد في مجلس النواب حتى لو صوّت لفائدته 90 ٪ من الناخبين.
في الختام لا يمكنك ان تنجح في مهمّتك وأنت مكبّل بتحالف النهضة والنداء وشبح القصر ومونبليزير يحلّق في سماء القصبة!